ناتالي غريب: هجرة الآلهة من سوريا
يبدو السّردُ في رواية «هجرة الآلهة والمدائن المجنونة» (دار سائر المشرق) لناتالي الخوري غريب رصداً للتحوّل الطارئ على الذات في تفاعلها مع تردّي المحيط الجغرافي والاجتماعي، تحديداً المحيط الذي استحال متوحشاً دموياً محكوماً ببشرٍ انقلبوا على قيم الدين والحق والعدالة والإنسان، وانصرفوا ينهشون لحوم أبناء الوطن، ويستطعمون رعبهم: «قُل مجموعات بشرية تمشي بطريقة غير منظّمة، وحوش الغاب آنس منها وآلف، في مشيتها رقص على إيقاع الإنسانية الضائعة، ورائحة الدم النّتن تفوح من مرورهم». يتحوّل البطل سامح، أستاذ الحضارات المثقف والملتزم دينياً، والمحاضر في جامعة حمص إلى أرض خصبة للتفجّع والألم. تستحيل الذاكرة خزاناً لا ينضب للحقد، والتمرد، ورفض التسليم والنفور من الإيمان الذي كان مسكوناً به سابقاً. نقطة البدء تتمثل في مقتل زوجته التي يحبّ: هبة، التي سْجى جثمانها بين يديه، لتتولّد بعدها حيرته حيال واقع عصيّ على التصديق، وليتضادّ هذا الواقع المفجع مع كل السكينة التي كان يغرق فيها فيبددها.