لا يمرّ الزمن -الحلقة الثانية والعشرون
صباح الإثنين، ما إن استقرّ أمام مكتبه، حتّى دخل إليه زميله حميد يحمل أوراقًا، وقال: - كانت سهرةً من العمر، أليس كذلك يا صديقي؟
صباح الإثنين، ما إن استقرّ أمام مكتبه، حتّى دخل إليه زميله حميد يحمل أوراقًا، وقال: - كانت سهرةً من العمر، أليس كذلك يا صديقي؟
حضر إلى فندق النسيم، عند التاسعة مساءً، فلم يجد إلّا حميد، فسأله عن الآخرين، فأخبره أنّ السيّد سالم يصل بين دقيقة وأخرى.
دعاه المدير سالم، مع عدد من التقنيين إلى اجتماع في مكتبه، وأبلغهم أنّ الوزارة اتّخذت قرارًا بتنفيذ مشروع طموح، بعد أن أمّنت الاعتمادات المالية له، بحصولها على هبة قيّمة من دولة صديقة. ويتضمّن هذا المشروع الكبير تحديث وإعادة تأهيل الاتّصالات الهاتفيّة السلكيّة، وتوسيع شبكة الانترنيت المتّصلة بها، وزيادة غرف الاتّصالات وتزويدها بأجهزة الكمبيوتر، وآلات اتّصالات رقميّة، وإبدال قسم كبير من الأسلاك القديمة بأسلاكٍ جديدة وبأنواع أفضل.
عاد ليستأنف عمله في الوزارة، ووجد نفسه أنّه بعد مروره بتجربة الانتخابات ومرض والده، قد انتقل من ضفّة إلى أخرى. وأدرك أنّه بدأ يطلِّقُ، باكرًا، مرحلة الشباب، بما تمثّله من استقلاليّة بالرأي وبالتصرّف. فهو، شاء أم أبى، تحوّل إلى مرجع لعائلته، وقد أسبغوا عليه وجه الوجاهة، وإن اعتبره قناعًا ثقيلًا يشوِّه صورة وجهه الحقيقيّة.
زار عماد السيّد سامي، المنسّق العام للتّيار الشعبي المستقل، وأبلغه قراره بالانسحاب من نشاطات التيّار، ففوجئ بقراره هذا، وسأله: - وما السبب؟ - سببٌ شخصي محض.
في مساء اليوم ذاته، اتّصل بها هاتفيًّا ليسألها إن كانت ترافقه إلى منزل صديقه زياد، للوقوف إلى جانبه إثر تعرّضه وعائلته إلى تهديدات، بعدما عمد شقيقه إلى خطف فتاة من ديانةٍ أخرى ليتزوّجها، فرافقته. وهناك وجدا بعض الأصدقاء أيضًا قد سبقوهما.
نال الوظيفة، لكنّه شعر بطعم الهزيمة! قد هزمه الزّعيم... هزمه هذا النّظام البالي، هذه الطبقة القابضة على زمام الأمور بيدٍ من حديد. جاء على باله صورةٌ تتداول كثيرًا، شهادة التخرّج الجامعي يعلوها برنيطة التخرّج مع شراريبها. برنيطة التخرّج هذه، تنزاح من مكانها شيئًا فشيئًا، وتسقط عن المنبر، ويحلّ مكانها برنيطة الزعيم الممجّدة.
وقفا أمام نافذة غرفة الحراسة الخارجيّة، وألقيا التحيّة على حارسَين يجلسان فيها، فردّ أحدهما سائلًا عن حاجتهما.
استمرّ نشاط عماد وميرا في التيّار الشعبي المستقلّ، ورافقهما زياد ومهى، فأصبحوا من أكثر المجموعات نشاطًا واستقطابًا للاهتمام. كما تابعوا دراستهم الجامعيّة باهتمام بالغٍ، وأحرزوا درجات مرتفعة في اختصاصاتهم.
اِنتهت السّنة الجامعية الثالثة، وحانت عطلة الصيف. وكانت عائلة عماد قد أنهت تأهيل البيت القروي وانتقلوا للإقامة فيه بشكلٍ دائمٍ بعد أن أنهى والده خدمته في الأمن الداخلي. وأصرّ عماد على ميرا أن تزوره في قريته، ويعرّفها هناك على عائلته بعد أن حدّثهم عنها طويلًا.