لا يمرّ الزمن الحلقة الثالثة والثلاثون
ودّع والدته وشقيقتيه وداعًا مؤثّرًا، ذكّره بانفعالاته الجيّاشة يوم وداع والده الأخير. وأقلّه زياد إلى المطار ورافقتهما مهى.
ودّع والدته وشقيقتيه وداعًا مؤثّرًا، ذكّره بانفعالاته الجيّاشة يوم وداع والده الأخير. وأقلّه زياد إلى المطار ورافقتهما مهى.
مضى أسبوعان على وفاة أبي عماد، فاتّصلت ميرا بمهى وزياد تريد مقابلتهما سويًّا. زاراها في منزلها، فقالت لهما دون تمهيدٍ أو مقدّمات: - لقد اتّخذتُ قرارًا نهائيًّا بالانفصال عن عماد.
عندما وصل القرية، واستقرّ بعض الشيء، سأل شقيقته سهى: - ما الذي حصل؟ فقد كلّمته وطمأنته، وأكّد لي أنّه بخير. لا بدّ أنّ أمرًا طارئًا قد حصل.
بدأت وسائل التواصل الاجتماعي تتناقل تفاصيل الفضائح في الوزارة، وتكشف أسماء المتورّطين. فاتّصل عماد بمديره سالم طالبًا منه العمل على معالجة الموضوع. وهو الذي كان يطمئنهم دائمًا، فاتّفقا على الالتقاء في ساعة متأخّرة من الليل، فحضر وحميد إلى منزله، وأخبرهما أنّه اتّصل بمراجع سياسيّة عليا، وهي تؤمّن لهم الغطاء.
عندما قابلها في غرفتها فوجئ بمظهرها. خصلات شعرها مبعثرة على غير عادة، وجنتاها شاحبتان وقد فقدتا لونهما الوردي، عيناها ذابلتان شابهما احمرارٌ باهت، ونظرتها متهالكة كأنّها قطعت أميالًا عديدة.
نشطت تيّارات الحراك الشعبي في فضح ملفّات الفساد في مختلف الوزارات والإدارات. وتنافست فيما بينها على هذا الموضوع.
كلامٌ من وزير الاتّصالات بنيّة وزارته فرض ضريبة على مكالمات تطبيق الواتس آب، أثار نقمةً شعبية عارمة. وقد كان هذا القرار القشّة التي قسمت ظهر البعير. فانطلقت احتجاجاتٌ في العاصمة بيروت، تلتها في اليوم التالي مظاهرات حاشدة واعتصامات شملت ربوع الوطن كلّها. وطالب المحتجّون بمحاكمة الفاسدين، وإسقاط الحكومة واستبدالها بحكومة أخصّائيين محايدين، واسترجاع أموال الدولة المنهوبة.
قال لي صديقي مرّةً: القصيدة التي نشَرتَها لم أفهَمْ منها شيئًا! فقلتُ له: إنَّها ليست لك. سألني: لمَن؟ أجبتُه بلطف: مَن يطرَب لِرامي عَيَّاش لا يستطيع أن يفهم بسهولة أوبّريت فريد الأطرش أو السّمفونيَّة الخامسَة لبتهوفن.
عندما كشف عليها، وجد أنّ أعدادها تنقص عمّا ورد في الجداول، ولاحظ أنّ العدد المتوفّر يتطابق مع ما طلب منها في الأساس عند إجراء الدراسة، وأنّ المفقود منها هي التي زيدت عليها ولم تكن مطلوبة. فعرف أنّ ثمن الأغراض التي لم تصل أصبح في جيوب بعض زملائه.
صباح الإثنين، ما إن استقرّ أمام مكتبه، حتّى دخل إليه زميله حميد يحمل أوراقًا، وقال: - كانت سهرةً من العمر، أليس كذلك يا صديقي؟