لبنان رسالة
بتنا نخشى على المعاني الجليلة لكلمة القدّيس يوحنّا بولس الثاني في وصف لبنان، من وقوعها صريعة الرواج والاستهلاك، لكثرة ما يجري تردادها والاستشهاد بها من غير التقيد بعميق فحواها وجليل مغزاها.
بتنا نخشى على المعاني الجليلة لكلمة القدّيس يوحنّا بولس الثاني في وصف لبنان، من وقوعها صريعة الرواج والاستهلاك، لكثرة ما يجري تردادها والاستشهاد بها من غير التقيد بعميق فحواها وجليل مغزاها.
يواجه مفهوم الجامعة منذ سنوات، بل منذ عقدين إلى ثلاثة، تحدّيًا وجوديًا خطيرًا ومتفاقمًا، من شأنه أن يقضي قضاءً تامًا على معناها الأساسي، وعلى دورها التاريخي في الاستشراف النظري، النقدي، العقلي، الفكري، الفلسفي، الأدبي، الفنّي، وفي طرح الأسئلة على ذاتها، ومناقشتها، وفي مواكبة الإبداع، واحتضان العلوم الإنسانية.
وتسألني يا صديقي عن مسيحيّتي في هذا الزمن... زمن التفلّت والمظالم والمكابرة... زمن الفساد المستشري وضياع الحقوق... زمنٍ، لو شاء ربُّك أن يتدخّل فيه، لأنزل علينا النار والكبريت، كما فعل، ذات مرّة، في سدوم وعمورة، قبل آلاف السنين...!؟
لكلّ إنسان حقّ في حرّية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حرّيته في أن يدين بدين ما، وحرّيته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحرّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
برأي فريق آخر من المفكّرين المسيحيّين، قد تكون نقطة الانطلاق، في أي مشروع لإحياء دور المسيحيّين وإعادة تأثيرهم إلى الحياة السياسيَّة في لبنان وفي المشرق، بأنْ يخرجوا، أوّلًا، من هاجس الخطاب البيولوجي العددي، وثانيًا، من عقدة الذميَّة. هذا تمامًا ما يُشدّد عليه مثلًا الأب الدكتور باسم الراعي. بالنسبة له، قوّة المسيحيّين إنَّما تتأتّى من صياغة دور جديد ومشروع واضح المعالم يقودونه في لبنان وفي المنطقة.
على مشارف الاحتفال بمئويَّة إعلان دولة لبنان الكبير، السؤال الذي يطرح نفسه: هل كانت تجربة التعايش على مدى مئة عام بين كتلَتَيْن سكانيَّتَيْن وثقافيَّتَيْن ودينيَّتَيْن مختلفتَيْن جديرة بالخوض نعم أم لا؟
قد يكون التأمّل والتفكّر في ملامح الإنسان الجديد هو أكثر المسارات البحثيّة والتفكريَّة خطورة في أيامنا هذه. وربّما أكثر من يُدرك هذا الواقع هم المتعاطون مع الجيل الجديد الذين غالبًا ما يُذهلون من أداء شابات وشبان اليوم، ليس فقط في حياتهم اليوميَّة والتعلّمية، بل إزاء مسائل من مثل طريقة العيش، ومفهومهم للحياة، ولوجودهم، ولمعنى هذا الوجود، وكيفيّة سعيهم للسعادة، وأنواع قلقهم، وكيفيّة تعبيرهم عن هذا القلق، وكيفيَّة مواجهته.
خلق لبنان لكي يكون مساحة لقاء وليس ساحة تهديدات. خلق للأيدي الملتقية وليس لتلك المرتفعة بالإنذارات، ولا للأصابع الموجّهة إلى كلِّ من ليس من رأي أصحابها.
يقول الفيلسوف الكبير والعَلَم المحوري في تاريخ الفلسفة الحديثة، سبينوزا ما يلي: «إذا أردنا بناء الحاضر، علينا بمعرفة وفهم الماضي».
يكفل الدستور اللبناني في مقدّمته الحرّيات وفي طليعتها حرّية الرأي والمعتقد. هذا يعني أن المواطن اللبناني له كامل الحقّ والحرّية في اختيار الدين الذي يريد أو أن يكون لا أدريًا أو ملحدًا.