الثورة البريئة من التعجيز إلى الواقع!
لا يخفى على أحد من أهل الاستنارة أنّ الثورات تصدح بكلّ أصناف المثاليّات الصائبة، والأحلام المشروعة، والطموحات المحقّة. ولكنّها أيضًا تنطوي على قدرٍ عظيم من الالتباسات والاستقطابات والانزياحات.
لا يخفى على أحد من أهل الاستنارة أنّ الثورات تصدح بكلّ أصناف المثاليّات الصائبة، والأحلام المشروعة، والطموحات المحقّة. ولكنّها أيضًا تنطوي على قدرٍ عظيم من الالتباسات والاستقطابات والانزياحات.
زمن الثورات تصبح الكتابة لعنةً، الخيانة افتراضًا، العقل شيطانًا، المطالب ارتجالًا، الأحلام غمامةً، المتسول عاشقًا لأرصفة المجد ويبقى الوعد قدر التمثال.
في كلّ ثورة مراحلُ وأطوارٌ وسبُلُ تعبير. في الطور الأوّل نزل معظم الشعب اللبنانيّ إلى الشارع يطالب الحكومة بالمحاسبة الصارمة، وبالعدالة الاجتماعيّة، وبالتغيير البنيويّ. في الطور الثاني، بدأت التجمّعات الشعبيّة في المناطق تدرك خطورة الأوضاع، فتسعى إلى استيضاح المشهد الثورويّ الغضبيّ. أمّا في الطور الثالث، فينبغي أن يجرؤ الناسُ على خطوتين.
الثورة اللبنانيّة نشأت من وجع الناس، وأفقُها رفعُ الظلم الاقتصاديّ والاجتماعيّ عن كاهل الناس. أمّا الظلم السياسيّ، فسقط معظمُه في الربيع اللبنانيّ في 2005، فعادت الناس لا تُقهر وتُسجن بسببٍ من آرائها السياسيّة.
لم تسمع الأحزاب اللبنانية صرخة اللبنانيين في انتخابات أيار 2018، ولم تدرك أبعاد المقاطعة الصارخة للانتخابات النيابية والتي تجاوزت نسبة الإثنين وخمسين في المائة من مجموع الشعب اللبناني.
نزلت اليوم إلى ساحة الشهداء لأشعر بنبض الحركة الشعبية التي لم يشهد لبنان لها مثيلاً في تاريخه المعاصر. نزلت هناك مشجعاً ولو بوجودي الصامت، و
الهتاف الشعار 1 الشعب يريد تأليف الحكومة! الهتاف الشعار 2 نضافة، نضافة، داخليّة وخارحيّة!
لا يمكن الثورة اللبنانيّة أن تقتصر على إعلان الثورة. الوقت قصير يداهم الجميع. لذلك ينبغي الانتقال إلى المرحلة الثانية
يجب أوّلًا أن نثور على جهلنا الذي يعمي أبصارنا عن التمييز بين الحكمة والجنون. يجب أوّلًا أن نثور على العنف المتراكم في دواخلنا اللبنانيّة، وعلى التعصّب المشحون في مداركنا اللبنانيّة. يجب أوّلًا أن نثور على حاجتنا المرضيّة إلى أب يرعانا ويحضننا ويحمينا ويضمن لنا فتاتًا من حقوقنا على شرط أن نخضع له عبيدًا أذلالًا ونضع عند قدميه جميع حقوقنا الأصليّة ليتصرّف بها على هواه.
ليس التاريخ العميق للدول العربية الحديثة أكثر عراقةً من التاريخ العميق للبنان، وليس لبنان الحديث أكثر اصطناعًا من الدول العربية الحديثة.