لماذا ثار اللبنانيون؟
إن هذا الاذلال الممنهج والمستمرّ منذ عقود في طريقة التعاطي مع الشعب اللبناني بطريقةٍ فوقية، عليائية، من كافة
إن هذا الاذلال الممنهج والمستمرّ منذ عقود في طريقة التعاطي مع الشعب اللبناني بطريقةٍ فوقية، عليائية، من كافة
لا يستطيع أحدٌ أن يضبط هيجان الشوارع التي تثور نصرةً للظلم والشوارع التي تناهض ثورة الثائرين، ولاسيّما في وطنٍ شديد الحسّاسيّة والتعقّد والانعطاب. من معضلات الواقع اللبنانيّ أنّ كلّ شيء أضحى وجهةَ نظرٍ، خاضعًا لتفسيرات المفسّرين وتخمينات المخمّنين.
ما من أحد يعلم علم اليقين كيف ستنفرج الأحوالُ في الساحات الثائرة. وما من أحد يعلم علم اليقين مقدار الثمن الذي سيدفعه الشعبُ اللبنانيّ من جرّاء هذا التأزّم العسير. الأمر الأكيد أنّ الحالة التي وصل إليها اللبنانيّون يُسأل عنها لا أهل المرّيخ، بل اللبنانيّون أنفسهم.
يُحزنني أمرُ اللبنانيّين الأصفياء الذين يريدون الأمر عينه، ويدافعون عن القضيّة الإنسانيّة عينها، ولكنّهم يتصادمون تصادم القطعان في الشوارع المتدافعة! فإذا كان نهوض لبنان الإنسانيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ هو هدف جميع اللبنانيّين الأنقياء، فلماذا يتجابهون في الساحات العامّة؟
أحببت أن أصدّق أن المشاركين بهذا الحراك الشعبي-التاريخي قد تجاوزوا قيودهم الدينية والطائفية. لكن الجواب أتى عكس ذلك. إذ لم أجد مبررًا لرفع صليبٍ خشبي كبير في الزوق وجلب تمثالٍ للسيدة العذراء، أو إثنان يحملان الصليب والقرآن في إحدى المدن الجنوبية، وما شابه...
مؤسفٌ جدًا ما يحصل الآن في الاعتصامات، غرروا بالمواطنين شيبًا وشبانًا بثورةٍ ناعمة، نائمة في أخدار أحلام الشعب وأتوا بها مستغلّين لهذه الأحلام واهمين الشعب بأنها ثورة الخلاص من الفساد والمفسدين، وهتفوا بأن الجميع فاسد!
اِنطلاقًا من دراستي لفلسفة التاريخ الهيغلية في كتابي الأخير:
الساتياغراها أي الحقيقة والحزم هي منظّمة المهاتما غاندي التي عبّدت الطريق نحو استقلال الهند بالطريقة السلمية التي تشبه ثورة وطننا الغالي حاليًا على الظلم أكثر من الاحتلال البريطاني آنذاك للهند الذي وضع ضريبة جائرة على الملح، وها هي الطبقة المتسلّطة علينا تجعلنا نشحد الملح.
ما الحلول التي تقترحها السلطة وأحزابها، والشعبُ الثائر، وأحزابُ المعارضة السائرة وراءه وأمامه؟ إذا تحدّث العقلاء عن الحلّ العقلانيّ، عاتبوهم وأخذوا عليهم مثاليّتهم وبراءتهم وتنظيرهم التجريديّ المحض. وإذا تُرك الأمر للشعب الثائر، فإنّه عاجزٌ عن النطق السياسيّ الحكيم.