«حقوق المسيحيين»
لا أذكر مرحلةً من مراحل العمر، تقبَّلت فيها فكرة الزعامة والزعيم. فهي نقيضٌ للحرّية، أقدس ما نُعطى، بعد العقل. وتوحي بالتسليم الكلّي لرجلٍ أو فكرةٍ أو مجموعة. أو قبيلة.
لا أذكر مرحلةً من مراحل العمر، تقبَّلت فيها فكرة الزعامة والزعيم. فهي نقيضٌ للحرّية، أقدس ما نُعطى، بعد العقل. وتوحي بالتسليم الكلّي لرجلٍ أو فكرةٍ أو مجموعة. أو قبيلة.
اليوم تتراكم تذكارات الزالزل. أسبوعان مثل اليوم، على انفجار بيروت، وخمسة عشر سنة على انفجار 14 شباط 2005 واستشهاد الرئيس رفيق الحريري، الذي تُصدر المحكمة ذات الطابع الدولي اليوم حُكمها في قضيته.
تتهاطَلُ علينا كلَّ يوم من الشاشات أَخبارٌ وصُوَرٌ ومشاهدُ وتصاريحُ تتلاطَمُ وتتزاحَمُ وتتوالى وتتعالى حول زلزال المرفإِ، وجميعُها مثيرةٌ كلَّ نوع من الغضب واللعنة والقرف والثورة، والتسابقِ على سبَقٍ إِعلامي مشروع ومشكور من زميلات وزملاء في المحطَّات المُتابعة بِمِهنية عالية وتقنيات متطوّرة.
موازين القوى متحرّكة -والقضيّة التي تبدو خاسرة اليوم، يمكن أن تنتصر غدًا، مع تبدّل المعطيات الدوليّة، شريطة استمرار المقاومة، وعدم رفع الراية البيضاء تحت أيّ ظرف.
الثلثاء 14 تموز 1789: اِنفجرَت الثورة الفرنسية بهجوم الثوَّار الغاضبين على معتقل التعذيب في سجن الباستيل، وخلْعِهم بوابتَه، وإِنهائهم عهدًا طويلًا من التسلُّط في قصر ڤرساي، ظلُّوا يوجِّهون إِليه سهامهم الثائرة بتهمة الفساد، مَلِكًا وحاشيةً، حتى جرُّوا سيِّدة القصر ماري أَنطوانيت إِلى المحاكمة الثورية فالمقصلة التي انهالت على رأْسها بلا رحمة.
يعجبني من يكتب في الحداثة والنهوض والانقلاب الجذري والثورات العلمية، فيرى ذلك موجودًا في عيني جدِّه ورفاق جدّه ومكان جدّه وزمان جدّه، وأنه هو استمرار حتمي لهذه الأعجوبة الوجودية!
لا تزال الغيوم تخيّم فوق بيروت نتيجة الانفجار الزلزال الذي هزّ لبنان من الناقورة إلى النهر الكبير. الانفجار الغريب في الحجم والشكل، بظلّ أحاديث وروايات وسيناريوهات مختلفة تحاول الإجابة عن الحادث بظلّ غياب المعلومة الرسمية لدى المعنيين في لبنان مما أحدث صدمة كبيرة لدى الناس وخاصة المصابين الذي انتظروا من الدولة وأجهزتها كافة المعلومات بغض النظر عن مأساتها وتفاصيلها لجهة التفجير وإمكانية احتمالاته المتعدّدة.
متن الحدث يملي عليَّ قبل الدخول إلى متن الحديث، أن أشكر الله أن ديكَ النهار لا يزالُ يصيح أعلى من صوت الانفجار الذي كثَّفَ خمسة عشر عامًا من هيمنتهم في لحظة لن ينساها التاريخ، حين دمَّرَت سحابة الفطر النووي أو الأمونياكي العاصمة وهم معتصمون بحبل الحكم، وزلزلتِ الدولة وهم ممسكون بخناقها، فمتى يرعوون ويسمعون ويرحلون؟
أين البشير؟ كلّ شوارع بيروت كانت بالأمس تصرخ وتستنجد أين بشير الجميّل؟
نشرتُ مقالات عديدة قبل الانفجار الكبير في بيروت وبعده تتكهّن أن لبنان مات أو سيموت. قرأتُ، في هذا السياق، عدّة مقالات باللغتين العربية والإنكليزية، كان آخرها للسفير الأميركي الأسبق لدى لبنان جيفري فلتمان. هذه المقالات تؤلمني، كما تؤلم كلّ لبناني شريف، خاصة أهل الانتشار الذين، وإن أصبحت لديهم جنسية أخرى، ما زال ارتباطهم بلبنان قويًا، لا بل أزليًا.