لبنان من فيودور إلى إيمّانويل
كان أن نشأ لبنان. وكلّ فترة يتغيّر الأب، ذاك الوصي عليه، ليصطحبه في القطار إلى وجهةٍ ما ليقضي أمرًا كأنّه كان مكتوبًا.
كان أن نشأ لبنان. وكلّ فترة يتغيّر الأب، ذاك الوصي عليه، ليصطحبه في القطار إلى وجهةٍ ما ليقضي أمرًا كأنّه كان مكتوبًا.
على الرغم من الظروف المأساويّة التي يعيشها وطن الرسالة، لبنان، على كافّة الأصعدة السياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة، إلّا أنّ قدمَيك حين تطآن أرض لبنان، ينتابك شعورٌ مختلفٌ لا تجده في أيّ مكانٍ آخر على هذه الأرض؛ هي الحالة التي ينطبق عليها قول الشاعر الفلسطينيّ محمود درويش: «على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة».
ضجَّت مواقعُ التواصل الإِلكتروني بالتعليق على ما شاهدَه متابعُو الشاشات (الأَربعاء الماضي 4 آب) من حُشود في ساحاتِ بيروت وشوارعِها وباحةِ مرفَإِها المشوَّهَةِ بالخراب المجرم تقاطَرَت تعبيرًا عن غضبٍ جارح، أَو تَضامُنٍ جامح، أَو رجاءٍ طامح، حِـيال ما بَلَغَهُ سياسيُّو لبنان من انفصال عاقّ وانفصام معاق عن ضحايا 4 آب وأَهاليهم وذويهم وأَصدقائهم. وتفاوتَت تلك التعليقاتُ بين مُؤْلمٍ وحزينٍ ودسَّاس.
يوم كتبْتُ قصيدتي هذه نهارَ مجزرة قانا قبل ربع قرن (1996 -لَحَّنَها إِيلي شويري وغنَّتْ بها ماجدة الرُومي) وصرخْتُ في وحشيَّة المعتدين الإِسرائيليين:
بعد هدوء العواصف والعواطف من ذكرى انفجار المرفأ يعود اللبنانيّون إلى واقعهم المرير حياتيا وسياسيًا.
يصعب على القلم السيرُ بين الكلمات، وقد كمنت الأشلاء وراء كل حرف، وفار الحبر دماً بريئاً يتدفق في الوجدان، ووجوهاً غالية تطلُّ من نوافذ الأحزان. كيف لنا أن نجامل ونتجامل، وفي الغداة يمر عام على الكارثة فكأن الشيء لم يكن، حيث صفاقة السِّحَن على حالها، وسماكة الجلود، وبلادة الأخلاق، والخطاب الهمجي المتقنع بابتسامات مستفزة
إن أكثر من يذكر اليوم من قبل متتبّعي السياسة في لبنان هو شخص الرئيس فؤاد شهاب وذلك لأن عهد هذا الأخير كان من أنجح العهود من جميع النواحي، أولًا أمنيًا ثم اقتصاديًا ثم إصلاحيًا حيث أرسى دعائم الدولة العصرية وانتقل بلبنان بسرعة قياسية إلى مصافي الدول الراقية وأكثر من ذلك انتهى عهده من دون أي صدامٍ مع أية قوى خارجية كانت أم داخلية، رغم انفراط عقد الوحدة العربية بين مصر وسوريا في عهده ورغم الانقلاب الثاني القومي على النظام والكيان اللبناني.
اللبنانيون مثلهم مثل سائر شعوب الأرض عرفوا تاريخ الدماء. إذ ليس من شعبٍ في العالم خُلق هانئاً. وليس هنالك من شواطئ سلام إلا جزر آخر الدنيا. لكن لبنان هو في وسط الدنيا. هكذا كان جغرافياً وإنسانياً. وهكذا هو اليوم. وما كان غافلاً عن البعض من واقع هذا القدر، ذكّره به البابا فرنسيس في كلمته أوّل الشهر الحالي حين قال ان لبنان هو
من عجائب العقل السياسيّ اللبنانيّ أنّه ينسب إلى النتائج الأسبابَ، وإلى الفروع الأصولَ، وإلى الآثار المبادئ. في تشخيص المرض اللبنانيّ، ما برح بعضُهم يجرّم التدخّلاتِ العربيّة والإقليميّة والأجنبيّة، وبعضُهم الآخر الاختلالَ الاقتصاديَّ البنيويَّ والفسادَ المستشري، وبعضُهم أيضًا انحرافَ المسلك السياسيّ في تعشّق السلطة اللبنانيّ المجنون.
أغلب السياسيين اللبنانيين الحاليين، يريدون أن يقنعوا الأجيال الجديدة، بأن لبنان لم يكن دولة ولذلك انهار.