غياب اليقين... الإنسان والارتياب في الأزمنة القلقة
أثار فيروس كورونا قضايا شائكة في مختلف الميادين، وفتح معارك التفكير والريبة العقلية في وجه مُسلّمات (Postulats)، عُدّت سابقًا من البديهيات التي لا يصل إليها الشك.
أثار فيروس كورونا قضايا شائكة في مختلف الميادين، وفتح معارك التفكير والريبة العقلية في وجه مُسلّمات (Postulats)، عُدّت سابقًا من البديهيات التي لا يصل إليها الشك.
علت الأصوات بعد دعوة رئيس الجمهوريّة إلى لقاء رؤساء الكتل النيابيّة الأربعاء في قصر بعبدا منتقدة هذه الدّعوة بالشكل والمضمون. وذلك بغضّ النّظر عن تلبيتها أم عدم ذلك. مع العلم أنّها دعوة في الشكل تندرج في سياق سير العمل المؤسّساتي، لكن في الجوهر تحمل أبعادًا دستوريّة سرعان ما تمّ الاشارة إليها، سواء في موضوع صلاحيات الرّئيس أم في شكل النّظام، رئاسي أو برلماني.
أو لنقُل، عودة أهميَّة تدريس التاريخ كمادةٍ ذات معنى ومتعة ووسيلة لتطوير مهارات التفكير العليا لدى الأجيال الجديدة.
ما شهدناه مؤخرًا من هجمة مبرمجة على حاكم مصرف لبنان في محاولة لتحميله دون غيره مسوؤلية ما وصلنا إليه، يبدو واضحًا أن الهدف منها مسايرة الشارع المنتفض وإلإيحاء وكأن هناك تفهّمًا وتناغمًا بين السلطة والشارع، ويمكن أن يتوهّم البعض أن هناك إنجازًا قد تحقّق من خلال هذه الهجمة.
كان (أبو حيّان التوحيدي) يسخر من العصر الذي عاش فيه، والذي انقلبت فيه المعايير والموازين، وانعدمت فيه القيم، ويقول (هذا زمن القرود)، على اعتبار أن القرد يرمز إلى الدهاء والشهوة والخطيئة والمحاكاة، والضحك الماكر والتهليس والاستخفاف والانفلات، ولا شكّ أنه عندما يعتلي هذا القرد كتف أحد البشر، فمعنى ذلك أنه يحرّكه في اتّجاه كلّ الخصال السلبية السابقة، عكس ذلك عندما يوضع القرد في سلسلة، فإن ذلك يرمز إلى التغلّب على الخطيئة وكلّ الخصال السلبية السابقة.
مع عودة التحرّكات الاحتجاجية لمواجهة ما أنتجته سنوات من الإدارة الفاسدة للحكومات المتعاقبة والطبقة السياسية الحاضنة والشريكة لها. حبذا لو نقتنع بأنه ليس من حقّنا أن نشكّك بنوايا هؤلاء المنتفضون واتهامهم أو التجنّي عليهم، ونقتنع أن من أخرجهم إلى الشارع هي معاناتهم اليومية من التهميش وانعدام أبسط متطلّبات الحياة فلا ماء، لا كهرباء، لا وظائف، لا أمان، لا مستقبل ولا كرامة وأصبح العديد منهم من هم تحت خط الفقر مهجّرين مشرّدين داخل الوطن.
برغم الأيام الاستثنائية التي نعيشها في الولايات المتّحدة حاليًا، في ظلّ جائحة (كوفيد-19)، إلّا أن هموم لبنان تجعلنا نلقي بأسئلتنا وهواجسنا على من تغمرهم أكثر منا الأسئلة والهواجس في زمن الركود الاقتصادي العالمي، وبطبيعة الحال، لا شيء يتقدّم على العنوان الاقتصادي والمالي، من بيروت إلى واشنطن... والعكس صحيح.
كأي رجلٍ تجاوز الستين، أعاني من أمراضٍ شائعه، بين من هم في مثل سنّي، ومن عاشوا حياةً لا يمكن وصفها بالهادئة، ناهيك عن كونها غير صحّية، ومثل معظم أقراني، أشكو من تصلّب الشرايين وانسدادها، وأخضع غالبًا للعلاج وللتدخّل الجراحي أحيانًا، حين يكون تسليك الشريان مستحيلًا بأدويةٍ تميع الدم فقط، ومع الأيام لم يعد شيئًا في الحياة يزعجني أو يؤرقني غير الألم، مهما كان نوعه،
يدفعنا فيروس الكورونا إلى التفكّر في معطوبيّة الكائن الإنسانيّ. ثمّة انعطابٌ في الهيكل الجسديّ، وثمّة انعطابٌ في الذات الواعية. من هذه المعطوبيّة نمضي إلى معطوبيّة المعنى الذي يستنبطه الإنسان لحياته. لكلّ انعطابٍ مناعةٌ تلائمه وتليق به، فيما السبيل واضحٌ من معطوبيّة الكيان إلى معطوبيّة المعنى.
سبق أن ذكرت في مقالةٍ سابقة في تشرينيات العام المنصرم أن حزب الله ومعه لبنان مخيّر بين الموت جوعًا وسط منظومة صواريخ متطوّرة أو العودة إلى جذوره اللبنانية.