لأول زئير لبوة، تدفَّق ماءً عَرِمًا من شِدقيها، وجرى شِمالًا كأنه بوصلة الأنهر، فحقن الكرمة خمرًا، وحرَّكَ الهواء بالنواعير، ثم حمَل أنينها في طيات خريره، ليصبَّ في متوسط الحضارة.
والثاني معجزُ الدنيا، وخليل الشمس، ومطران الأديان المتلاقحة. كأنما حبة العنب التي امْتَصَّت دم الأرض، أنضجته في كنف الشعاع، فتبوَّأ إله الخمر باخوس من نقطة تواضعها، معبدًا لسكارى الحياة زعم بانيه أن شموخه المادي إذلال لروحانية الشرق، فثمل المكان من الثنائية المنصهرة، ونَصَّبَ جوبيتر نفسه خَمَّارًا للتاريخ، وجعل من الستة العَمَد خوابي يُعتِّقُ فيها الأزمنةَ خاليةً من كحول الزيغ مفعمةً بمرارة القرون.